العيد بين الطاعة والانفلات: تحذيرات شرعية في زمن الفرح
يأتي العيد في الإسلام كمنحة ربانية، تتوّج بها أيام الطاعة والعبادة، وتُغمر فيها القلوب بالفرح المشروع، وتُشد فيها الأواصر بين الأهل والأحباب. فهو ليس مجرد مناسبة اجتماعية، بل محطة إيمانية تتجدد فيها النوايا، وتُستثمر فيها اللحظات في طاعة الله، وصلة الرحم، وإحياء القيم الإسلامية في أبهى صورها.
لكن المؤسف أن بعض الناس، بدلاً من أن يجعلوا العيد امتدادًا لحالة الصفاء الروحي التي عاشوها في رمضان أو يوم عرفة، يتعاملون معه كفرصة للتحلل من الالتزام، والانغماس في سلوكيات لا تليق بمقام المناسبة، بل قد تصل إلى حد المعاصي والمخالفات الشرعية التي حذّر منها العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، الذي نبّه إلى جملة من الظواهر السلبية التي تتكرر في أيام العيد، ومنها:
1. حلق اللحى والتزين بما يخالف السنة
من المؤسف أن بعض الرجال يتخذون من العيد مناسبة لحلق لحاهم، ظنًا منهم أن ذلك من مظاهر التجمّل، بينما السنة النبوية توجب إعفاء اللحية في كل وقت، وقد وردت في ذلك نصوص صريحة عن النبي ﷺ. فالجمال الحقيقي لا يكون بمخالفة الهدي النبوي، بل بالاقتداء به في الظاهر والباطن.
2. المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات
تنتشر في بعض المجتمعات عادة المصافحة بين الجنسين في العيد، حتى بين غير المحارم، بدعوى التهنئة والمجاملة. لكن هذا الفعل من المحرمات والكبائر، لما فيه من انتهاك للحدود الشرعية، وقد قال النبي ﷺ: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحل له». فليكن العيد مناسبة للسمو الأخلاقي، لا للتساهل في المحظورات.
3. الإسراف في المفرقعات والألعاب النارية
من مظاهر العيد التي أصبحت شائعة، إنفاق مبالغ طائلة على المفرقعات والألعاب النارية، دون أي فائدة تُرجى منها سوى الضجيج المؤقت. وهذا يدخل في باب الإسراف المحرم، خاصة في ظل وجود فقراء ومحتاجين هم أولى بهذه الأموال. فلو تحوّلت هذه النفقات إلى صدقات، لكان العيد أكثر بركة وأثرًا في النفوس.
4. انتشار الميسر والمقامرة بين الأطفال
في بعض الدول، تنتشر ألعاب الميسر والمقامرة بين الأطفال في أيام العيد، تحت غطاء التسلية والمرح. وهذه الظاهرة خطيرة، لأنها تُطبع الصغار على سلوكيات محرّمة، وتفتح لهم أبوابًا من الانحراف المبكر. لذا، فإن مسؤولية الآباء عظيمة في مراقبة أبنائهم، وتوجيههم نحو أنشطة ترفيهية مباحة ومفيدة.
خاتمة: العيد ليس استراحة من الطاعة، بل امتداد لها
إن العيد في جوهره ليس لحظة انفلات، بل لحظة توازن بين الفرح المشروع والانضباط الشرعي. فكما نفرح ونلبس الجديد، يجب أن نحافظ على نقاء الروح، ونحرص على ألا نُفسد ما بنيناه من طاعات في الأيام السابقة. فلنجعل من العيد فرصة لتجديد العهد مع الله، وتعميق الصلة بالأهل، وتزكية النفس، لا مناسبة للتهاون والانجراف خلف العادات المخالفة.