الملكة نفرتيتي: الجميلة التي أسرت العالم وجعلت من وجهها أيقونة خالدة

نفرتيتي، الزوجة الملكية العظمى للفرعون أمنحوتب الرابع الذي عُرف لاحقًا باسم أخناتون، تعد واحدة من أكثر الشخصيات النسائية شهرة في التاريخ المصري القديم، ويعني اسمها "الجميلة أتت". عُرفت بجمالها الأخاذ ودورها البارز في ثورة أخناتون الدينية التي عبدت الإله آتون.
اختفاء غامض
بعد العام الثاني عشر من حكم أخناتون، اختفت نفرتيتي فجأة من السجلات التاريخية. يعتقد المؤرخون أنها توفيت ودُفنت في مقبرة بمدينة "أخت أتون"، العاصمة الجديدة التي أسسها زوجها. وتُشير بعض النظريات إلى أن توت عنخ آمون قد نقل مومياءها لاحقًا مع والده أخناتون بعد هجر أخت أتون.
اكتشاف تمثال نفرتيتي
في 6 ديسمبر 1912، عثرت بعثة ألمانية بقيادة عالم الآثار لودفيج بورشاردت على تمثال نصفي مدهون بالحجر الجيري للملكة نفرتيتي في ورشة النحات المصري تحتمس في تل العمارنة، وكان التمثال في حالة شبه مكتملة، ويُعد الآن من أشهر الأعمال الأثرية في العالم.
التمثال والجدل بين مصر وألمانيا
منذ العثور على التمثال، بدأت فصول من الجدل بين مصر وألمانيا. ففي عام 1924، وُجدت وثيقة توثق اجتماعًا بين بورشاردت ومسؤول مصري لمناقشة تقسيم الآثار. ووفقًا للتقارير، يُشتبه أن بورشاردت أخفى القيمة الحقيقية للتمثال، وقدَّم صورة قاتمة له، وأدعى أنه مصنوع من الجبس وليس الحجر الجيري.
كما أخفى التمثال داخل صندوق أثناء زيارة المفتش العام غوستاف لوفبفري، ما عزز الشكوك حول نوايا البعثة الألمانية. رغم ذلك، زعمت الشركة الشرقية الألمانية أن الاتفاق كان نزيهًا، وأن المسؤول المصري وافق طواعية على التقسيم.
وصف التمثال
-
الطول: 47 سم
-
الوزن: حوالي 20 كجم
-
الخامة: حجر جيري مغطى بطبقة جصية
-
الحالة: شبه كاملة، مع نقص في العين اليسرى التي تفتقر إلى البطانة
-
التاج: أزرق مميز بإكليل ذهبي وثعبان كوبرا (مكسور حاليًا)
-
الزينة: قلادة مزخرفة بالزهور، وأذنان تضررتا جزئيًا
التحليل الكيميائي للألوان
أجرى بورشاردت تحليلاً دقيقًا لألوان التمثال، وجاءت النتائج كما يلي:
-
الأزرق: مسحوق سيراميكي ملوّن بأكسيد النحاس
-
لون الجلد (أحمر فاتح): مسحوق جيري بأكسيد الحديد الأحمر
-
الأصفر: كبريتيد الزرنيخ
-
الأخضر: مسحوق ملوّن بالنحاس وأكسيد الحديد
-
الأسود: من الفحم المثبّت بالشمع
-
الأبيض: من الطباشير (كربونات الكالسيوم)
رمز للجمال والهوية
أصبحت نفرتيتي رمزًا للجمال الكلاسيكي، بعنق طويل، وحواجب مقوسة، وأنف نحيل، وشفاه مرسومة بابتسامة غامضة. ووفقًا لعالم المصريات ديفيد سيلفرمان، فإن التمثال يمثل النمط الكلاسيكي للفن المصري القديم، وليس النمط العماري المرتبط بأخناتون.
التمثال بين ألمانيا ومصر
نُقل التمثال عبر عدة مواقع في ألمانيا:
-
منجم ملح في ميركس-كيسلنباخ
-
متحف داهليم في برلين الغربية
-
المتحف المصري في شارلوتنبورغ
-
المتحف القديم في برلين
ومنذ عام 2009، استقر في متحف برلين الجديد، حيث يجذب أكثر من 500,000 زائر سنويًا، ليصبح رمزًا ثقافيًا لكل من برلين ومصر القديمة.
التمثال والسياسة
في الثلاثينات، اعتبرت الصحافة الألمانية تمثال نفرتيتي "ملكة ألمانيا الجديدة"، ووسيلة لإعادة بناء الهوية الثقافية بعد انهيار الإمبراطورية الألمانية عام 1918. وصفه أدولف هتلر بأنه "كنز لا يُقدّر بثمن"، وتعهد ببناء متحف خاص له.
وفي السبعينات، أصبح التمثال رمزًا للهوية لكل من ألمانيا الغربية والشرقية، وفي التسعينات طُبع على الطوابع البريدية الألمانية، واستُخدم في الملصقات الانتخابية لحزب الخضر.
تمثال مسلوب؟
في عام 1989، أدرجت صحيفة "التايمز" تمثال نفرتيتي ضمن أشهر 10 قطع أثرية مسلوبة في العالم، وما زالت مصر تطالب ألمانيا رسميًا بإعادة التمثال باعتباره جزءًا من التراث الوطني.
يقول بعض الخبراء إن المنافسة الاستعمارية لعبت دورًا في تمسك الألمان بالتمثال، خاصة بعد اكتشاف البريطانيين لمقبرة توت عنخ آمون، مما جعل من نفرتيتي رمزًا للمنافسة الثقافية والسياسية بين القوى الاستعمارية السابقة.
خاتمة
يظل تمثال نفرتيتي من أبرز رموز الحضارة المصرية القديمة وأكثرها إثارة للجدل. بين الجمال والفن والسياسة، وبين مطالب الاسترداد التاريخي ورفض الإعادة، يبقى هذا التمثال شاهدًا على عبقرية الفنان المصري القديم، وعلى تعقيدات العلاقات الثقافية بين الشعوب.
