ثلاث ليالٍ مع الشيطان: ماذا حدث لأبي هريرة حين حرس زكاة رمضان؟
مقدمة:
في ظلال شهر رمضان، وبينما كان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يحرس زكاة الفطر بأمانة، وقعت حادثة غريبة تكشف لنا جانبًا خفيًا من عالم الجن والشياطين، وتُظهر كيف يتسلل الشيطان إلى حياة الإنسان في هيئة المحتاج والمسكين. لم تكن مجرد محاولة سرقة، بل كانت درسًا ربانيًا في الفطنة، الرحمة، واليقين، ختمه النبي ﷺ بكشف مذهل: "ذاك شيطان".
هذه القصة النبوية العجيبة، التي رواها البخاري في صحيحه، تحمل في طياتها أسرارًا تربوية وعقدية عميقة، وتُسلّط الضوء على أعظم آية في القرآن لحماية النفس من وساوس الشيطان: آية الكرسي. فما الذي حدث بين أبي هريرة والضيف الغامض؟ وما سر الكلمات التي علّمها له؟ تعرّف معنا على القصة الكاملة، وعلى كيف تحصّن نفسك من الشيطان بكلمات نورانية تحفظك حتى تصبح.
القصة:
وعن أَبي هريرة قَالَ: وكَّلَني رسولُ اللَّهِ ﷺ بحِفْظِ زَكَاةِ رمضانَ، فَأَتَاني آتٍ، فَجعل يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأخَذْتُهُ فقُلتُ: لأرَفَعَنَّك إِلى رسُول اللَّه ﷺ، قَالَ: إِنِّي مُحتَاجٌ، وعليَّ عَيالٌ، وَبِي حاجةٌ شديدَةٌ، فَخَلَّيْتُ عنْهُ، فَأَصْبحْتُ، فَقَال رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وآلهِ وسَلَّمَ: يَا أَبا هُريرة، مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وعِيَالًا، فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ. فَقَالَ: أَما إِنَّهُ قَدْ كَذَبك وسيعُودُ فَعرفْتُ أَنَّهُ سيعُودُ لِقَوْلِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرصدْتُهُ. فَجَاءَ يحثُو مِنَ الطَّعامِ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعنَّكَ إِلى رسولُ اللَّهِ ﷺ، قالَ: دعْني فَإِنِّي مُحْتاجٌ، وعلَيَّ عِيالٌ لاَ أَعُودُ، فرحِمْتُهُ فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَأَصبحتُ.
فَقَال لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبا هُريْرةَ، مَا فَعل أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وَعِيالًا فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَقَال: إِنَّهُ قَدْ كَذَبكَ وسيَعُودُ. فرصدْتُهُ الثَّالِثَةَ. فَجاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأَخَذْتهُ، فقلتُ: لأَرْفَعنَّك إِلى رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهذا آخِرُ ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، فَقَالَ: دعْني فَإِنِّي أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ ينْفَعُكَ اللَّه بهَا، قلتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقْرأْ آيةَ الْكُرسِيِّ، فَإِنَّهُ لَن يزَالَ عليْكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، وَلاَ يقْربُكَ شيْطَانٌ حتَّى تُصْبِحِ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ فَأَصْبحْتُ، فقَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ فقُلتُ: يَا رَسُول اللَّهِ زَعم أَنَّهُ يُعلِّمُني كَلِماتٍ ينْفَعُني اللَّه بهَا، فَخَلَّيْتُ سبِيلَه. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لي: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقرَأْ آيةَ الْكُرْسيِّ مِنْ أَوَّلها حَتَّى تَخْتِمَ الآيةَ: اللَّه لاَ إِلهَ إِلاَّ هُو الحيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقال لِي: لاَ يَزَال علَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَنْ يقْربَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، تَعْلَم مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ يَا أَبا هُريْرَة؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ رواه البخاري.
التعليق على هذه القصة:
في هذه القصة العجيبة، نرى كيف يتداخل عالم الغيب مع الواقع، وكيف أن الشيطان لا يقتصر على الوسوسة الخفية، بل قد يتجسد في هيئة بشرية، يتسلل إلى حياة الإنسان من باب الحاجة والضعف. أبو هريرة رضي الله عنه، رغم يقظته وحرصه، وقع في فخ الرحمة المتكررة، مما يكشف لنا أن الطيبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من فطنة المؤمن ويقينه بكلام النبي ﷺ.
لكن المفارقة الأعمق أن الشيطان، رغم كذبه المتكرر، صدق في نصيحته الأخيرة: قراءة آية الكرسي قبل النوم تحفظ الإنسان من شره حتى يصبح. وهنا تتجلى عظمة القرآن، إذ يجعل من آية واحدة حصنًا منيعًا، لا يقترب منه شيطان ولا يخترقه وسواس. إنها قصة تزرع في القلب يقينًا، وفي العقل وعيًا، وفي السلوك حذرًا، بأن الحماية الحقيقية لا تكون بالحراسة الجسدية فقط، بل بالتحصين الروحي بكلام الله.
تحليل تربوي وعقدي للقصة
إن هذه القصة الجميلة التي تمتلأ بالحكم والمواعظ لا يمكن أن تكون قد نقلت كما وردت في صحيح البخاري بشكل غير مستهدف بل إنها تستهدف زرع بعض القيم والتعاليم الإسلامية الجليلة في نفوس ابناء هذه الأمة بأن الشيطان ليس له عليهم سبيل وأنهم بإمكانهم هزيمته من خلال ايات القرأن خاصة آية الكرسي الموجودة في صورة البقرة والتي تعتبر من أهم آيات الرقية الإسلامية، ومن هذه القيم ما يلي:
🔹 الرحمة لا تعني الغفلة
في كل مرة كان "السارق" يأتي إلى أبي هريرة رضي الله عنه، كان يتذرّع بالحاجة والعِيال، فيرقّ له قلب الصحابي ويتركه. هذا الموقف يُظهر لنا أن الرحمة من أعظم صفات المؤمن، لكنها لا يجب أن تكون على حساب الحذر والوعي. النبي ﷺ لم يوبّخ أبا هريرة على رحمته، بل وجّهه إلى أن يكون فطنًا، لأن الشيطان لا يتورّع عن استغلال الطيبة.
🔹 الشيطان لا ييأس
ثلاث ليالٍ متتالية، يعود فيها الشيطان بنفس الأسلوب، وهذا يكشف لنا حقيقة مهمة: الشيطان لا يمل ولا يكل، بل يُعيد المحاولة مرارًا، ويختبر نقاط ضعف الإنسان. هذه القصة تُجسّد كيف أن الشيطان قد يتسلل إلينا من باب الرحمة، أو الغفلة، أو حتى الإحسان.
🔹 الصدق من الكاذب
رغم أن الشيطان "كذوب"، كما وصفه النبي ﷺ، إلا أنه صدق في نصيحته الأخيرة: قراءة آية الكرسي قبل النوم تحفظ الإنسان من الشيطان حتى يصبح. هذا يُعلّمنا درسًا عميقًا: لا ترفض الحق لمجرد أن مصدره غير موثوق، فالحكمة قد تأتي من أفواه من لا يُؤتمنون.
🔐 فضل آية الكرسي في حماية المسلم
آية الكرسي، التي وردت في سورة البقرة (الآية 255)، ليست مجرد آية عظيمة في معناها، بل هي درع روحي يحمي المسلم من شرور الشيطان ووساوسه. في القصة، يخبر الشيطان أبا هريرة أن من يقرأها قبل النوم، يكون عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. والنبي ﷺ صدّق هذه المعلومة، رغم أن قائلها شيطان.
- ✨ لماذا آية الكرسي تحديدًا؟
- لأنها تجمع أعظم صفات الله: الحي، القيوم، العليم، القدير.
- لأنها تؤكد وحدانية الله ونفي النوم والسِنة عنه، مما يدل على كمال حفظه لعباده.
- لأنها تُظهر ملك الله المطلق في السماوات والأرض، فلا أحد يشفع إلا بإذنه.
🛡️ كيف نحمي أنفسنا بها؟
- أجعلها جزءًا من وردك الليلي.
- علّم أبناءك قراءتها قبل النوم.
- اربطها في ذهنك بالحماية، لا فقط بالحفظ.