-->

شريط الأخبار

السلوك الاجتماعي للسائح: دراسة في تأثير الثقافة والبيئة على تصرفاته

author image

 

يُعد السائح عنصرًا مهمًا في معادلة السياحة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل أيضًا من حيث التأثيرات الاجتماعية والثقافية المتبادلة بينه وبين المجتمع المحلي الذي يقوم بزيارته. ومع تطور علم النفس السياحي، باتت سلوكيات السائح موضوعًا مهمًا للدراسة والتحليل، خاصة في ظل تزايد حركة السفر وتنوع الثقافات حول العالم، وبناء على ذلك فإنه يجب تسليط الضوء على الأثار التي يتركها السلوك للسائح على المجتمع الجديد عليه والذي يقوم بزيارته وما يمثله السائح من إضافة إلى هذا المجتمع وما الآثر الاجتماعي الذي يتركه على محيطه.

أولًا: مفهوم السلوك السياحي

السلوك السياحي يشير إلى مجموعة الأفعال والتصرفات والعوامل التي يقوم بها الفرد أثناء تخطيطه للسفر وأثناء وجوده في وجهته السياحية. ويتأثر هذا السلوك بعدة عوامل مثل:

  • الثقافة الأصلية التي ينتمي إليها السائح، فكل مجتمع من المجتمعات يملك عادات وتقاليد تختلف عن المجتمع الأخر، فمثلا العادات في المجتمع الخليجي تختلف عن العادات في المجتمعات الغربية والعادات في دول الشرق الأوسط تختلف عن العادات والتقاليد في دول شرق اسيا وهكذا.
  • البيئة التي يزورها، إن المكان او الوجهة التي يختارها السائح من اجل قضاء فترة إجازته أو للترفيه عن نفسه يجب التنبه لها ودراستها بشكل محكم لكي لا يتعرض السائح للصدمة.
  • التوقعات المسبقة، إن بناء الأمال والتوقعات من الرحلة السياحية أمر جيد، ولكن يجب ان تكن تلك الامال ضمن المطلوب والمتوقع ويتوافق مع حقيقة المجتمع الذي يرغب الانسان بزيارته.
  • الحالة النفسية أثناء الرحلة، إن الحالة النفسية تعتبر من اهم العوامل التي تشكل السياحة العالمية، فلا يعقل لمن يعاني من القلق والشك والإحباط أن يتوقع رحلة ممتعة لدولة من الدول، كما لا يتوقع منه أن يترك آثر إيجابي في المجتمع الذي ينوي قضاء اجازته فيه.
  • والأحداث التي يمر بها خلال تفاعله مع السكان المحليين، قد يتعرض السائح لأحداث صادمة كالاعتداء عليه أو أخذ أمواله أو معاملة حادة من المحيط وغيرها من الحوادث المفاجئة  وهذا الأمر يترك أثر كبير على السائح من جهة وعلى ما يتركه من أثار على المجتمع الذي يرغب في زيارته.

ثانيًا: العوامل المؤثرة في سلوك السائح

1. الخلفية الثقافية

تعد الثقافة من العوامل الأساسية التي تحدد طريقة تصرف السائح. فمثلًا، السائح القادم من مجتمع محافظ قد يشعر بالصدمة عند زيارة دولة ذات طابع تحرري، والعكس صحيح. وتؤثر الثقافة أيضًا على أسلوب اللباس، وتناول الطعام، وأسلوب التفاعل مع الآخرين، فيجب حتى يتجاوز الصدمة أن يقوم بالاطلاع على ثقافة البلد الذي يرغب في زيارته قبل أن يقوم بتلك الزيارة.

2. البيئة المحلية

البيئة التي يقصدها السائح، من حيث اللغة والعادات والتقاليد والمستوى الاقتصادي، تلعب دورًا في تشكيل ردود أفعاله. قد يشعر السائح بالإعجاب أو النفور، أو يتفاعل بإيجابية أو سلبية بناءً على قدرته على التكيف مع البيئة الجديدة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن البيئة المحلية للمنطقة المنوي زيارتها قد تختلف عن البلد المستضيف بالكامل، فيوجد مناطق تختلف عن أخرى بالعادات والتقاليد والأعراف.

3. التوقعات الشخصية

التوقعات التي يُكوّنها السائح قبل الرحلة (من خلال الإنترنت، أو آراء الأصدقاء، أو الصور الإعلانية) تؤثر بشكل كبير على مدى رضاه. فالإحباط قد يصيب من يكتشف أن الوجهة لم تكن كما تخيل، مما ينعكس على سلوكه الاجتماعي، فيجب الحد من التوقعات الشخصية وبناء التوقعات من خلال المعارف والسؤال والبحث عن الوجهة المراد الذهاب إليها بكافة الوسائل المتاحة.

4. الحالة النفسية والعاطفية

القلق أو التوتر أو حتى الحماس الزائد يمكن أن يغير طريقة تفاعل السائح مع المجتمع المحلي. وقد تؤدي ضغوط الرحلة مثل تأخير الرحلات أو فقدان الأمتعة إلى سلوكيات سلبية غير معتادة.


ثالثًا: أنماط السلوك الاجتماعي لدى السياح

قام علماء النفس بتصنيف سلوك السياح إلى عدة أنماط، نذكر منها:

1. السائح المحافظ

يحرص على احترام عادات وتقاليد البلد المضيف، ويتجنب إثارة الانتباه أو الاختلاف في المظهر أو التصرف وهو برأيي الشخصي أفضل سلوك ممكن أن يقوم به السائح.

2. السائح المستكشف

يحب الاندماج مع السكان، وتعلم لغتهم، وتجربة نمط حياتهم المحلي. يزور الأماكن غير التقليدية، ويعتبر هذا الشكل من السياح يحب المغامرة بصورة كبيرة.

3. السائح المتذمر

يميل إلى المقارنة السلبية بين موطنه والبلد الذي يزوره، ويشتكي من كل ما هو مختلف، وهذا النوع من السياح يعاني خلال رحلته ويترك أثر سلبي على المجتمع المحلي الذي يقوم بزيارته.

4. السائح المغامر

يسعى إلى تجربة كل ما هو جديد ومثير، ويهتم بالمغامرات، وقد يتجاوز في بعض الأحيان حدود المقبول ثقافيًا أو اجتماعيًا، ويترك بهذه الصورة أنطباع سيء على المجتمع المحلي في البلد الذي يقوم بزيارتها.


رابعًا: وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على السلوك السياحي

في العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً رئيسيًا في تشكيل سلوك السائح. فالمشاركة الفورية للصور والمشاعر والتجارب تشجع على ما يُعرف بـ "السياحة الاستعراضية"، حيث يسعى السائح للظهور بمظهر "المستكشف" أو "الراقي" أكثر من اهتمامه الحقيقي بالتجربة.

من جهة أخرى، تقدم المنصات مثل "تريب أدفايزر" و"جوجل مابس" معلومات مسبقة عن الأماكن، مما يوجه سلوك السائح نحو أو ضد أماكن معينة. وقد تؤدي التعليقات السلبية أو الإيجابية إلى تشكيل أحكام مسبقة تؤثر على التفاعل مع السكان، ويمكن للسائح الاستفادة منها في بناء الطابع الشخصي له ولرحلته السياحية.


خامسًا: التأثيرات المتبادلة بين السائح والمجتمع المضيف

1. التأثير الإيجابي

عندما يتصرف السائح بطريقة محترمة، ويتفاعل بلطف مع المجتمع المحلي، فإنه يعزز من صورته ويشجع السكان على استقبال السياح الآخرين بشكل أفضل.

2. التأثير السلبي

في بعض الأحيان، يتصرف السياح بطريقة غير لائقة أو صادمة ثقافيًا (مثل اللباس غير المناسب أو التصرفات الغريبة)، مما يخلق فجوة ثقافية ويؤدي إلى ردود فعل سلبية من السكان.


سادسًا: دراسات نفسية حديثة عن سلوك السائح

أشارت دراسات في علم النفس السياحي إلى أن شخصية السائح تلعب دورًا كبيرًا في تحديد سلوكه. فالأشخاص من النوع "المنفتح" أكثر ميلاً لخوض تجارب جديدة، بينما يميل "الانطوائيون" للخصوصية والهدوء. كما تبين أن السائحين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يكونون أكثر قدرة على التعامل مع الاختلافات الثقافية.


سابعًا: السياحة في الخليج والسلوك السياحي

في منطقة الخليج العربي، ومع تزايد عدد الزوار والسياح من مختلف دول العالم، أصبحت مسألة فهم السلوك السياحي أكثر أهمية. فمثلًا:

  • في السعودية، تنشط السياحة الدينية والتراثية، مما يتطلب من السائح احترام الطابع الديني والثقافي للبلاد، فالسياح المفضلون في المملكة العربية السعودية هم أولئك الأشخاص المحافظين والذين لا يخالفون العادات والتقاليد هناك من ملابس وافعال وتصرفات.
  • في الإمارات، حيث تنتشر الفعاليات العالمية والتنوع الثقافي، يصبح التفاعل مع سلوكيات متعددة ضرورة ملحة، وتعتبر الإمارات قبلة لألاف الأشخاص من شتى التوجهات والديانات والثقافات لذى فإنه يعتبر بلد منفتح على مختلف الثقافات ويمكنه تقبل سلوكيات متنوعة من السياح فيه.
  • أما في عمان وقطر والبحرين، فتظهر أهمية الفهم المتبادل بين السائح والسكان في الأماكن الصغيرة والتراثية، لأن لكل منطقة خصوصية تختلف عن المنطقة الأخرى.

خاتمة

فهم السلوك الاجتماعي للسائح ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة علمية وعملية لتحسين تجربة السياحة وتفادي الصدامات الثقافية. ويبرز دور علم النفس السياحي في التوعية بأهمية التفاهم بين الثقافات، واحترام العادات، وتقديم تجربة سفر غنية وإنسانية، لكل من السائح والمجتمع المضيف.