-->

شريط الأخبار

فلسفة الزمن والعبث الوجودي في شعر طرفة بن العبد

 رجل عربي يرتدي عباءة تقليدية يقف وسط ساعة رملية عملاقة، تتساقط فيها حبات الرمل على شكل جماجم صغيرة. وجهه يحمل ابتسامة ساخرة، بينما يمد يده نحو الرمل المتساقط كمن يسخر من الزمن. في الخلفية، تتلاشى معالم الصحراء في ضباب رمادي، وتظهر ساعة حائط مكسورة معلقة في السماء، ترمز إلى عبثية الوقت وانهيار المعنى.

🧭 مدخل: الزمن كهاجس وجودي

في بيئة تتعامل مع الزمن بوصفه دورة طبيعية من الفخر والكرّ والفرّ، يظهر طرفة بن العبد كاستثناء. لا يرى الزمن كامتداد للبطولة، بل كقيد يضغط على الذات، كقوة عمياء تسخر من الإنسان، وتدفعه إلى العبث. في شعره، يصبح الزمن سؤالًا لا إجابة له، ومسرحًا للتهكم من كل يقين.

🕰️ الزمن في المعلقة: بين الوعي والانفلات

في معلقته الشهيرة، لا يكتفي طرفة بوصف الأحداث، بل يضع نفسه داخل الزمن، كمن يراقب مرور الأيام لا ليحتفل بها، بل ليشكك في جدواها. يقول:

إذا القومُ قالوا مَن فتىً؟ خِلتُ أنني عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلّدِ

هنا، الزمن يُستدعى كاختبار للذات، لكنه اختبار عبثي، لأن الاعتراف لا يغيّر المصير. إنه زمن لا يمنح معنى، بل يفضح هشاشة المعنى.

🎭 العبث الوجودي: السخرية من كل شيء

طرفة لا يواجه الزمن بالجدية، بل بالسخرية. يضحك من الأعراف، من السلطة، من الموت، وحتى من نفسه. هذه السخرية ليست تهكمًا بلاغيًا، بل فلسفة وجودية، تشبه ما عبّر عنه كامو لاحقًا في "أسطورة سيزيف": أن تعي عبثية العالم، وتواصل العيش رغم ذلك.

فإن كنتَ لا تستطيعُ دفعَ منيّتي فدعني أبادرْها بما ملكتْ يدي

هنا، العبث يبلغ ذروته: إذا كان الموت حتميًا، فلماذا لا أستعجله؟ إنها مفارقة وجودية، حيث يصبح الفعل مقاومة للعبث، لا استسلامًا له.

🔍 الزمن والعبث: مقارنة مع الفلسفة الحديثة

لو قرأنا طرفة بعين فلسفية حديثة، لوجدنا أنه يسبق مفاهيم مثل:

  • "الوجود نحو الموت" عند هايدغر.

  • "العبث والتمرد" عند كامو.

  • "الزمن النفسي" عند برجسون.

فهو لا يرى الزمن كخيط مستقيم، بل كدوامة عبثية، لا تمنح خلاصًا ولا معنى، بل تفرض على الذات أن تخلق معناها بنفسها، ولو بالسخرية.

🧩 خاتمة: شاعر الزمن الضائع

طرفة بن العبد ليس مجرد شاعر جاهلي، بل هو مفكر شعري، يعبّر عن قلق الزمن، وسخرية المصير، وعبث الوجود. في شعره، يتحول الزمن من خلفية إلى بطل مأساوي، والعبث من تهكم إلى فلسفة. إنه شاعر يضحك في وجه الفناء، ويكتب شعرًا لا ليُخلّد، بل ليُفكّر.