أميمة العبشمية: شاعرة قريش في زمن الحرب والرثاء
1️⃣ النسب والنشأة: شاعرة من صلب المجد
أميمة بنت عبد شمس بن عبد مناف، تنحدر من أحد أعمدة النسب القرشي العريق، إذ يجتمع في اسمها المجد القبلي والنسب الرفيع. فهي سليلة عبد شمس، أحد أبناء عبد مناف بن قصي، الذي يُعد من أبرز أجداد قريش ومنبع زعامتها السياسية والدينية في الجاهلية. هذا الانتماء جعل من أميمة شخصية ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ليس فقط بصفتها امرأة من بيت السيادة، بل أيضًا لكونها صوتًا شعريًا نسائيًا نادرًا في زمن كان فيه القول حكرًا على الرجال. في مجتمع قبلي يُقدّس الفخر والنسب، كانت أميمة تمثل امتدادًا أنثويًا للبلاغة القريشية، تُنشد الشعر في المجالس وتُرثي قتلى قومها بلسانٍ يقطر حزنًا وفخرًا، مما منحها احترامًا خاصًا بين نساء القبيلة وفرسانها.
2️⃣ السياق التاريخي
⚔️ خلفية عن حرب الفِجار
-
وقعت حرب الفِجار بين قبائل قريش (ومنهم بنو أمية) وقيس عيلان في العصر الجاهلي.
-
استمرت الحرب أربعة أعوام، وكانت من أعنف الحروب التي شهدتها مكة قبل الإسلام.
-
سُميت "الفِجار" لأنها اندلعت في الأشهر الحُرُم، مما اعتُبر انتهاكًا صارخًا للحرمة الدينية.
-
شارك فيها كبار زعماء قريش، ومنهم حرب بن أمية، والد أبو سفيان، وكان قائدًا في يوم عكاظ.
🖋️ دور أميمة في توثيق هذه الحرب شعريًا
-
أميمة بنت عبد شمس، المعروفة بـأميمة العبشمية، كانت شاعرة قرشية جاهلية.
- اشتهرت بقصائدها التي وثّقت بعض وقائع حرب الفِجار، خاصة رثاء قتلى قريش في المعارك.
- شعرها يُعد من المصادر الأدبية التي حفظت تفاصيل الحرب ومواقف القبائل، مما يعكس دور المرأة في التوثيق الشعري آنذاك.
🩸 مقتل أخيها أبو سفيان بن أمية في يوم عكاظ وتأثيره عليها
-
تشير بعض الروايات إلى أن أبو سفيان بن أمية (شقيق أميمة) قُتل في يوم عكاظ، أحد أيام حرب الفِجار.
-
هذا الحدث ترك أثرًا بالغًا في نفس أميمة، فعبّرت عنه شعريًا برثاء مؤلم، يُظهر الحزن والفخر في آنٍ واحد.
-
قصائدها في هذا السياق تُظهر الروابط القبلية والعائلية، وتُبرز كيف كانت المرأة الجاهلية تُشارك في التعبير عن الأحداث الكبرى.
3️⃣ الشعر والرثاء
اشتهرت أميمة العبشمية برثائها المؤلم لقتلى قريش في حرب الفِجار، حيث امتزج الحزن بالفخر، والدمعة بالبلاغة. كانت قصائدها تُلقى في المجالس القبلية، وتُحفظ في الذاكرة الشفوية، لتصبح جزءًا من تاريخ قريش الأدبي.
📜 أبرز الأبيات وتحليل فني
أَبَى لَيْلِيَ أَنْ يَذْهَبْوَنِيْطَ الطَّرْفُ بِالْكَوْكَبْ
في هذا البيت، تُجسد أميمة حالة السهر والحزن بعد فقد أخيها، حيث يرفض الليل أن ينقضي، وكأن طرفها مُعلّق بالكواكب، ترقبها في صمت. يُظهر البيت قدرة الشاعرة على توظيف التصوير الفلكي لربط الزمن بالحالة النفسية، وهو أسلوب نادر في شعر النساء الجاهلي.
🎭 سمات شعرها
- الحزن العميق: يظهر في تكرار صور الليل والسهر والبكاء.
- الفخر القبلي: تمجيد قتلى قريش بوصفهم أهل الشرف والبطولة.
- التصوير الزمني والفلكي: استخدام الكواكب والليل كرموز للحزن والانتظار.
4️⃣ مكانتها الأدبية
📍 موقعها بين شاعرات الجاهلية
تُعد أميمة العبشمية من الشاعرات البارزات في العصر الجاهلي، إلى جانب أسماء مثل الخنساء وليلى الأخيلية.
اشتهرت بقصائدها في حرب الفِجار، حيث رثت قتلى قريش، مما يدل على حضورها الشعري في الأحداث الكبرى.
رغم أن إنتاجها الشعري أقل من الخنساء أو ليلى، إلا أن مكانتها محفوظة بين شاعرات ذلك العصر نظرًا لارتباط شعرها بالحدث التاريخي.
🧠 تقييم النقاد القدماء لشعرها
لم تُذكر أميمة العبشمية بكثرة في كتب النقد الأدبي القديمة، لكن ورود شعرها في "كتاب الأغاني" يدل على أن شعرها كان يُعتبر جديرًا بالحفظ والتداول.
النقاد القدماء مثل قدامة بن جعفر وابن رشيق كانوا يقيّمون الشعر بناءً على عناصر مثل اللفظ والمعنى والوزن والقافية، ويبدو أن شعر أميمة استوفى بعض هذه المعايير ليُذكر في المصادر التراثية.
يُحتمل أن شعرها كان يُنظر إليه من باب الشاهد اللغوي والتاريخي أكثر من كونه نموذجًا فنيًا متكاملًا، لكنه حافظ على قيمته الأدبية.
🎶 هل كانت تُغنّى قصائدها؟
نعم، ورد في كتاب الأغاني أن بعض قصائد أميمة كانت تُغنّى، مما يدل على أن شعرها لم يكن مجرد تعبير أدبي بل كان يُتداول شفهيًا ويُؤدى.
هذا يعزز من مكانتها، لأن الشعر المغنّى غالبًا ما يكون أكثر تأثيرًا وانتشارًا في الثقافة الجاهلية.
5️⃣ التأثير والرمزية: صوت المرأة في زمن الدم والذاكرة
جسّدت أميمة العبشمية دورًا فريدًا للمرأة في الحروب الجاهلية، ليس بالسيف، بل بالكلمة التي لا تقل وقعًا عن الرمح. في مجتمع قبلي يُعلي من شأن الفروسية والبطولة، ظهرت أميمة كشاعرة تُرثي القتلى وتُخلّد أسماءهم، لتصبح قصائدها بمثابة سجل شعري للمقاومة، تحفظ فيه ذاكرة القبيلة وتُعيد تشكيل الوعي الجمعي بعد كل خسارة. لم تكن مجرد نائحة، بل كانت صوتًا أدبيًا يُقاوم النسيان، ويُعيد الاعتبار للضحايا عبر صور شعرية تنبض بالحزن والفخر.
رمزية الرثاء في شعر أميمة تتجاوز البكاء على الفقد، لتتحول إلى أداة مقاومة ثقافية، تُعزز الانتماء وتُوقظ مشاعر الثأر والكرامة. فهي تُصور الليل كزمن لا ينقضي، والنجوم كشهود على الحزن، مما يُضفي على شعرها بعدًا فلكيًا وزمنيًا يُعمّق المعنى ويُخلّد الحدث. هذا النوع من الرثاء يُشبه ما وصفه النقاد المعاصرون بأنه "خطاب تواصلي فعّال"، يُحرك الدلالة ويُؤسس لشعرية تأويلية تُعبّر عن فهم عميق للحياة والموت.
في زمن كانت فيه المرأة تُحصر في دورها الاجتماعي، خرجت أميمة لتُثبت أن الشعر هو سلاح المرأة الجاهلية، وأن الرثاء ليس ضعفًا، بل فعل مقاومة يُعيد بناء الهوية القبلية من رماد المعركة.
6️⃣ مصادر التوثيق: بين المعاجم والمرويات
اعتمد الباحثون في توثيق سيرة أميمة بنت عبد شمس على عدد من المصادر التراثية والمعجمية، أبرزها:
📘 كتاب "الأعلام" لخير الدين الزركلي
يُعد من أضخم موسوعات التراجم في العصر الحديث، ويضم آلاف الشخصيات من العرب والمستعربين والمستشرقين.
خصّ الزركلي أميمة العبشمية بترجمة موجزة، تُبرز نسبها ومكانتها الشعرية، مما يدل على اعترافه بقيمتها الأدبية والتاريخية.
📗 معجم أعلام النساء لمحمد ألتونجي
يُعد من أدق المعاجم المتخصصة في تراجم النساء، ويضم تعريفًا بحوالي ألف سيدة من مختلف العصور والثقافات.
ذكر فيه أميمة كشاعرة جاهلية، مع توثيق نسبها وأبرز مواقفها الشعرية، مما يُعزز حضورها في الذاكرة الأدبية.