الأسلوب الحواري والتقريري في شعر زهير بن أبي سلمى: هل أضعف الشعر أم عمّقه؟

🏺 تمهيد

🗣️ أولًا: تعريف الأسلوب الحواري والتقريري

• الأسلوب الحواري: توظيف صيغة الخطاب المباشر أو غير المباشر بين الشاعر ومخاطَبه، سواء كان فردًا أو جماعة أو حتى الزمن نفسه.
• الأسلوب التقريري: اعتماد الشاعر على الجمل الخبرية، والعبارات الواضحة، التي تُشبه لغة الحكمة أو الموعظة، وتبتعد عن المجاز والانفعال.

ومن لا يَحلمْ عن الجاهل يندمْ

ومن لا يُجزِ المعروف يُجزَ بنقمه

هذه العبارات تُشبه القواعد الأخلاقية، وتُقال وكأنها أحكام عامة، لا صور شعرية.

📜 ثانيًا: مظاهر الأسلوب الحواري في شعر زهير

زهير يُخاطب المتلقي مباشرة، ويُحاوره ضمنيًا، ويُقدم له رؤى أخلاقية واجتماعية:

• النداء والتوجيه: "أمن أم أوفى دمنةٌ لم تكلمِ"
• الاستفهام التأملي: "وهل يُرجعُ التَفكيرُ ما فات من عمرِ؟"
• الخطاب الجماعي: "ومن لا يَفِ للناس يُفقد وفاءهم"

هذا الحوار لا يُستخدم للدراما، بل للتأمل، وكأن الشاعر يُناقش القارئ لا يُغريه.

📘 ثالثًا: مظاهر الأسلوب التقريري في شعر زهير

زهير يُقدّم الشعر بوصفه منصة فكرية، لا مجرد وسيلة للمدح أو الغزل:

• يعتمد على الجمل الخبرية أكثر من الإنشائية.
• يُكثر من الربط المنطقي بين السبب والنتيجة.
• يُستخدم الأسلوب الشرطي: "ومن لا يفعل كذا، يحدث له كذا".

هذا الأسلوب يُشبه بناء المقالة الأخلاقية، ويُضفي على شعره طابعًا فلسفيًا.

🔍 رابعًا: هل أضعف هذا الأسلوب شعر زهير؟

وجهة النظر النقدية الأولى: نعم، أضعفه

• قلّل من الصور الشعرية والمجازات.
• جعل الشعر أقرب إلى النثر الحكمي.
• افتقر إلى الانفعال العاطفي الذي يميز الشعر الجاهلي.

وجهة النظر النقدية الثانية: لا، بل عمّقه

• منح الشعر وظيفة فكرية واجتماعية.
• جعل زهير رائدًا في الشعر الأخلاقي.
• أسّس لمدرسة شعرية تُوازن بين الفن والمعنى.

في الحقيقة، زهير لم يُضعف الشعر، بل وسّع حدوده، وفتح له بابًا جديدًا نحو التأمل والتهذيب.

🧭 خامسًا: مقارنة مع شعراء آخرين

هذه المقارنة تُظهر أن زهير اختار طريقًا مختلفًا، لا يقل فنيًا، بل يُكمّل المشهد الشعري الجاهلي.

🏁 خاتمة

الأسلوب الحواري والتقريري في شعر زهير بن أبي سلمى ليس ضعفًا، بل تحوّلًا واعيًا في وظيفة الشعر. لقد قدّم زهير نموذجًا فريدًا للشاعر الحكيم، الذي يُخاطب العقل قبل العاطفة، ويُعلّم قبل أن يُطرب. وفي زمنٍ كانت فيه القصيدة ساحةً للفخر والغزل، اختار زهير أن يجعلها منبرًا للحكمة، وهذا ما يجعل شعره خالدًا، ومناسبًا تمامًا لمشروع "دار العلوم" في إعادة قراءة التراث العربي بعين تحليلية معاصرة.