-->

شريط الأخبار

كيف تموت الملائكة؟ قصة مؤثرة كما رواها ابن الجوزي في بستان الواعظين

author image

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله، النبي الأمي الصادق الأمين، الذي بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، في البداية يجب الإشارة إلى أن هذه قصة تم سردها في كتاب لإبن قيم الجوزية، وتتحدث عن نهاية العالم بعد ان يموت جميع سكان الارض والسماء وبقاء اربعة من الملائكة يتم قبضهم بأمر من الله عز وجل ومن ضمنهم ملك الموت ذاته حيث يقوم بقبض نفسه بأمر من الله عز وجل بعد أن قبض ارواح جميع من في الارض والسماء.

قال الله تعالى في محكم تنزيله:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾
﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾
[الرحمن: 26-27]

إنها الحقيقة الأبدية التي لا يفر منها مخلوق، فالكل هالك، ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام. ولأن الإنسان دائمًا في غفلة، فإن ذكر الموت يوقظه، ويُعيده إلى صوابه. ولكن، هل خطر في بالك يومًا أن الملائكة – أولئك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون – سيموتون هم أيضًا؟

في كتابه الجليل "بستان الواعظين ورياض السامعين"، ينقل الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- وصفًا مهيبًا لمشهد موت الملائكة، وكيف يأذن الله بانتهاء أجلهم، واحدًا تلو الآخر، في سلسلة من الأحداث المؤثرة التي تهز القلب وتدمع العين.

النفخة الأولى: بداية النهاية

حين يأذن الله تعالى بالنفخة الأولى في الصور، يبعث الأمر إلى إسرافيل عليه السلام، الملك الموكل بالنفخ. فينفخ نفخة رهيبة، تميد بها الأرض وتضطرب، وتزلزل زلزالها. فيموت أهل الأرض جميعًا، ولا ينجو أحد، لا ملوك، ولا جبابرة، ولا طغاة، ولا فقراء ولا أغنياء.

حتى الملائكة التي كانت تملأ السماوات، تلك التي تسبح الله ليل نهار، تموت:

  • ملائكة السبع سموات

  • ملائكة الحجب

  • ملائكة السرادقات

  • الكرسي وحملة العرش

  • الكرّوبيون

  • الصفّون والمسبّحون

  • ملائكة سدرة المنتهى

فلا يبقى إلا أربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.

موت جبريل عليه السلام

ينادي الله جل جلاله على ملك الموت، وهو أعلم:
– "يا ملك الموت، من بقي؟"

فيجيب:
– "بقي إسرافيل، وميكائيل، وجبريل، وعبدك الضعيف ملك الموت، خاضع ذليل."

فيأمره الجبار:
– "انطلق إلى جبريل فاقبض روحه."

فينطلق ملك الموت، ويجد جبريل – عليه السلام – ساجدًا راكعًا لله، كما كان دائمًا.

فيقول له:
– "يا جبريل، ما أغفلك عمّا يراد بك! قد مات أهل الأرض والسماء، وقد أمرني ربي بقبض روحك."

عندها، يبكي جبريل ويقول:
– "يا الله، هوّن عليّ سكرات الموت."

فيضمه ملك الموت ضمة، فيخر جبريل منها صريعًا، لا روح فيه.

موت ميكائيل عليه السلام

ثم يُؤمر ملك الموت:
– "انطلق إلى ميكائيل فاقبض روحه."

فيجده مشغولًا بنزول المطر وتوزيع الأرزاق، رغم توقف الحياة.

فيقول له:
– "يا ميكائيل، ما أغفلك! لم يبق بشر ولا دابة، وقد أمرني الله بقبض روحك."

فيبكي ميكائيل ويستغيث بالله أن يهوّن عليه سكرات الموت، فيقبضه ملك الموت، ويقع ميكائيل ميتًا لا حراك فيه.

موت إسرافيل عليه السلام

ثم يأتي أمر الجبار:
– "انطلق إلى إسرافيل فاقبض روحه."

فيتوجه إليه ملك الموت، ويجده واقفًا، ممسكًا بالبوق بانتظار الأمر.

فيقول له:
– "يا إسرافيل، انتهى الأمر، ما بقي أحد، وقد أمرني الله بقبض روحك."

فيقول إسرافيل:
– "سبحان من قهر العباد بالموت... اللهم هوّن عليّ."

فيضمه ملك الموت، فيسقط إسرافيل ميتًا.

موت ملك الموت

الآن، لم يبقَ أحد، إلا ملك الموت نفسه، فيناديه الله عز وجل:
– "يا ملك الموت، من بقي؟"

فيقول:
– "بقي عبدك الضعيف ملك الموت."

فيقول له الله عز وجل:
– "وعزتي وجلالي، لأذيقنك ما أذقت عبادي، انطلق بين الجنة والنار ومت."

فيموت ملك الموت، فيصيح صيحة عظيمة، لو سمعها الأحياء لماتوا من هولها، ولكن لا أحد بقي.

نداء الله للدنيا... أين عمارك؟

ثم يتجلى الله في عليائه، وينظر إلى الدنيا وقد خلت، فينادي:

– "يا دنيا! أين أنهارك؟ أين أشجارك؟ أين عمارك؟ أين الملوك وأبناء الملوك؟ أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي وعبدوا غيري؟"

فلا يجيبه أحد.

فيجيب نفسه بنفسه:
"الملك لله الواحد القهار."

دروس وعبر عظيمة

  • لو كان جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وكلهم أطهار لا يعصون الله قط، قد طلبوا التخفيف عند الموت، فماذا نفعل نحن؟

  • إن ذكر الموت يلين القلوب، ويوقظ الغافل، ويدعو إلى التوبة والرجوع إلى الله.

  • كل من عليها فان... فلا يغترّن أحد بقوة أو مال أو سلطان، فإن المصير واحد.

خاتمة

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات سببًا لتوبة صادقة، وذكرى نافعة، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، والنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم اجعلنا من الذاكرين، المتفكرين، التائبين، الخاشعين، وثبّت قلوبنا على الإيمان، واختم بالصالحات أعمالنا.

المصدر:
كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين – الإمام ابن الجوزي، رحمه الله.