-->

شريط الأخبار

الصراط يوم القيامة: جسر العبور إلى دار السلام

author image

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

يعد يوم القيامة أعظم يوم في حياة الإنسان، يوم تتبدل فيه السماوات والأرض، ويكون الموقف أشد هولاً ومفزعاً لكل من عاش في الدنيا. من بين أحداث هذا اليوم العظيم، يظهر الصراط، الجسر الذي يعبر عليه الخلائق ليدخلوا الجنة أو النار، وهو محور الاختبار الأكبر بعد الحساب.

مكاننا يوم تبدل السماوات والأرض

عندما سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكان الإنسان في يوم تبدل السماوات والأرض، أجابه النبي الكريم: «سنكون على الصراط». هذا يعني أن الإنسان سيقف على جسر عظيم، يمتد فوق جهنم، لا طريق غيره للعبور إلى الجنة، أو الوقوع في نار جهنم.

والصراط في الحديث النبوي هو جسر عرض جهنم، موصوف بأنه:

  • أدق من الشعرة،

  • أحد من السيف،

  • شديد الظلمة، وتحته نار جهنم السوداء الغاضبة التي «تكاد تميز من الغيظ».

كيف هو الصراط؟

الصراط هو طريق العبور بين نار جهنم وجنة الفردوس. ومن أجمل ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه «يضرب بالصراط بعرض جهنم»، أي أنه يمتد فوقها مباشرة.

على هذا الجسر الحاسم، يحمل كل إنسان أوزار ذنوبه على ظهره، كما قال تعالى:
{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل: 25]

وهذا الحمل يبطئ من سرعة المرور على الصراط، فكلما كثرت الذنوب، كان المرور أبطأ وأكثر خطورة، وأصحاب الأعمال الصالحة يمرون كالبروق، والضعفاء منهم يزحفون أو يخطفون إلى النار.

مواصفات الصراط وعذابه

الصراط لا يخلو من الخطورة، فهو مزود بـ:

  • كلاليب (خطاطيف) وأشواك حادة تخدش وتجرح أقدام العابرين، تمثل تكفير الذنوب الناتجة عن المعاصي الصغيرة كالكلمة الحرام، والنظرة المحرمة، وغيرها.

  • تحته نار جهنم مستعرة، والأصوات الصادرة من الساقطين في النار شديدة ومخيفة، كما جاء في القرآن:
    {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهَا جَمَلَاتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 32-34]

من أول العابرين على الصراط؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجتاز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلامهم يومئذ: اللهم سلم سلم) [رواه البخاري ومسلم].

أي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيكون أول من يعبر الصراط مع أمته، متبوعاً بالأنبياء والمرسلين، ثم بقية الناس بحسب أعمالهم.

نور العبور وسرعة المرور

يوم القيامة، يسود ظلام دامس يحجب القدرة على المشي أو التحرك إلا بنور، وهو نور أعمال الإنسان الصالحة:

  • من كان عمله كثيراً، يضيء له نوره كالجبل أو الشجرة الكبيرة،

  • ومن كان عمله قليلاً، نوره صغير جداً، كضوء إبهامه المتقطع،

  • ومن كان فاسداً، تحيط به الظلمات من كل جانب.

كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(فمنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يتقد مرة وينطفئ مرة، وهذا أقلهم نوراً، ومنهم من تحوطه الظلمة من كل ناحية) [رواه أحمد وصححه الألباني].

لحظة اللقاء والذكرى في يوم القيامة

السيدة عائشة رضي الله عنها عندما تذكرت ذلك اليوم العظيم بكت، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائها، فقالت:
«تذكرت يوم القيامة، هل سيُذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ وهل سنذكر أبائنا؟»

فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم:
«نعم، إلا في ثلاث مواضع: عند الميزان، وعند تطاير الصحف، وعند الصراط.»

وهذا يظهر شدة التركيز والاختبار في تلك اللحظات التي لا ينفع فيها إلا ما قدمه الإنسان من عمل صالح.

دروس مستفادة من مشهد الصراط العظيم

  • كلنا سنمر على هذا الجسر الرفيع، فلا يكفي الاعتماد على النسب أو المال أو المنصب.

  • الأعمال الصالحة هي من تجعل مرورنا سهلاً، وسريعاً، ومضيئاً.

  • الذنوب والأعمال السيئة تثقل كاهلنا، فتجعل المرور بطيئاً وخطيراً، بل قد تسبب السقوط في النار.

  • الاستعانة بالله، والإكثار من الأعمال الصالحة، والابتعاد عن الذنوب، خصوصاً المعاصي الصغيرة التي قد تبدو لنا بسيطة لكنها مؤثرة.

دعاء الختام

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لعبور الصراط بسلام، وأن يجعلنا من أهل الجنة، وينجينا من عذاب النار، وأن يلهمنا السير على طريقه المستقيم بكل خضوع وتقوى.
اللهم آمين.