أنواع المرض في الإسلام: نظرة شاملة في ضوء القرآن والسنة
المرض جزء من طبيعة الإنسان، وكل انسان مهما كان حريص على حماية نفسه وبدنه
من المرض قد يصيبه، وقد تناول الإسلام المرض من جميع جوانبه: الجسدية، والنفسية،
والروحية، بل ورفع من شأن المريض، واعتبر المرض اختبارًا ورفعة للدرجات وتكفيرًا
للذنوب. في هذا المقال، نعرض أنواع المرض في الإسلام كما وردت في القرآن
الكريم والسنة النبوية، ونوضح كيفية تعامل الإسلام مع كل نوع، وأثر ذلك في العقيدة
والسلوك.
أولًا: تعريف المرض
في الإسلام
المرض في اللغة هو خلاف الصحة، ويُقال: مرض الرجل أي أصابه السقم.
أما في المفهوم
الإسلامي، فالمرض لا يُنظر إليه فقط على أنه حالة جسدية، بل قد يكون:
- جسديًا: يصيب الجسد كالحمى والضعف والألم.
- نفسيًا: يصيب النفس كالخوف والاكتئاب
والوسواس.
- قلبيًا (روحيًا): يصيب القلب والعقيدة كالنفاق،
الشك، أو الغفلة عن الله.
ثانيًا: أنواع المرض
في الإسلام
1. المرض الجسدي
هو أكثر أنواع الأمراض وضوحًا وشيوعًا، ويشمل كل ما يصيب الجسد من علل
وأوجاع.
وقد ورد ذكر المرض
الجسدي في القرآن، مثل قول الله تعالى عن أيوب عليه السلام:
"وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ
أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ"
(الأنبياء: 83)
ومن السنة النبوية:
«ما من مسلم يُصِيبُه أذًى، من مرضٍ فما سِواه، إلا حطَّ الله به من خطاياه،
كما تحُطُّ الشجرةُ ورقَها»
(رواه البخاري ومسلم)
الحكمة منه:
- تكفير الذنوب
- رفع الدرجات
- تذكير الإنسان بضعفه وحاجته لله
2. المرض النفسي
يشمل الهم، الحزن، الاكتئاب، الوسواس، والخوف، وغيرها من المشاعر النفسية
التي تؤثر على الإنسان.
وقد اهتم الإسلام بهذا النوع من المرض، وأوصى النبي ﷺ بالرقية، والدعاء،
والذكر، وتوكيل الأمر لله.
«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل...»
(رواه البخاري)
كما وردت أدعية كثيرة في القرآن تخاطب النفس:
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
(الرعد: 28)
موقف الإسلام منه:
- لا يُحاسب الإنسان على ما يمر به
من اضطرابات نفسية خارجة عن إرادته
- الحزن ليس ضعفًا في الإيمان،
والنبي ﷺ نفسه حزن وبكى
- يُستحب العلاج النفسي والروحي معًا
3. المرض القلبي (الروحي)
وهو أخطر أنواع الأمراض في نظر الإسلام، لأنه يتعلق بعقيدة الإنسان وسلامة
قلبه.
ويشمل: النفاق، الكبر، الحسد، الرياء، الشك،
الغفلة عن الله، حب الدنيا، القسوة، وقد قال ابن القيم في ذلك في كتابه الطب
النبوي إن مرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي وكلاهما في القران
الكريم حيث جاء في قوله تعال "في قلوبهم مرض، فزادهم الله مرضا"،
وقوله تعالى "وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون: ماذا أراد الله بهذا
مثلاً".
أما في أمراض الشبهات فقد قال تعالى “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض"، وقوله تعالى:"فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا"
موقف الإسلام منه:
- هذا المرض قد يؤدي إلى الهلاك
الأبدي إذا لم يُعالج
- علاجه يكون بالرجوع إلى الله،
والتوبة، والذكر، ومجالسة الصالحين، وتطهير القلب بالعلم والعمل الصالح
ثالثًا: المرض ابتلاء
أم عقوبة؟
منهج الإسلام متوازن:
- قد يكون المرض ابتلاءً لرفع
الدرجات، خاصة إذا صبر العبد ورضي، كما قال الله:
"وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ"
- وقد يكون عقوبة على ذنب، لكن هذا لا
يعني سوء خاتمة، بل قد يكون فيه خير كثير وتطهير للعبد مما ارتكب من ذنوب في
حياته الدنيا قبل الانتقال إلى الحياة الاخرة وجميعنا ميتون المبتلى بالمرض
والمعافى منه، فالاقتصاص بالدنيا عن ذنب ارتكبه الانسان افضل من الانتقال للأخرى
مكبل ومحل بالذنوب.
رابعًا: التعامل مع
المرض في الإسلام
1. الدعاء واللجوء إلى الله
من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله حال المرض، الدعاء والابتهال، مثل:
«اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي...»
2. الاستعانة بالعلاج
قال النبي ﷺ:
«تَدَاوَوْا عبادَ
اللهِ، فإنَّ اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضع له شفاءً»
(رواه الترمذي)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه من
حديث ابن الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال "لكل داء دواء، فإذا أصيب
دواء الداء : برأ بإذن الله عز وجل"، ويفهم من هذا الحديث ومن غيره من الأحاديث
أن الإسلام يوجب على المريض أن يقوم بالتداوي وطلب العلاج سواء اكان من خلال
المركبات الكيميائية (الدواء) أو من خلال الحمية والتغذية المضادة للمرض ولكنه
يحاول تجنب اللجوء للمركبات والأعمال الطبية بشكل عاجل بل يجب المحاولة في البداية
الحفاظ على علاج النفس بالذات.
3. الصبر والاحتساب
الصبر على المرض من أعظم العبادات، وله أجر عظيم، فالمرض ابتلاء من الله
يزرعه فيمن يحب من عباده فإن احب الله عبدا ابتلاه ليرى مدى صبره وقدرته على
التحمل وطلبه الشفاء من ربه والدعاء من اجل إزالة المرض.
4. زيارة المريض
من سنن الإسلام، وهي سبب في دخول الجنة، فقد جعل الله عز وجل من زيارة
المريض والسؤال عنه بمثابة صدقة ينتفع بها الزائر ويجني اجره عليها من الله عز
وجل.
خامسًا: العلاج والطب
في الحقيقة لقد ذكر ابن القيم في كتابه
الطب النبوي أن الطب للأبدان نوعان: نوع قد فطر الله عليه الإنسان والحيوان، فهذا
لا يحتاج لعلاج الطبيب ، كطب الجوع والعطش والبرد والتعب، فيمكن علاجها بأضادها
وما يزيلها، كالأكل عند الجوع والشرب عند العطش وهكذا.
أما النوع الثاني من مرض الجسد فإنه
يحتاج لقدر من التفكير والتأمل والعناية، كالامراض التي تغير مزاج الانسان وتحوله
عن طبيعته كالحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة أو ما يجتمع فيه أكثر من عنصر
معاً، وقد تكون على شكل أمراض آنية بحيث تخرج العضو عن هيئته إما بالشكل او
التجويف او مجرى ، أو خشونة أو ملامسة أو عدد أو عظم أو وضع، فإن تألفت الأعضاء سمي
ما هي عليه إتصالا اما إن تفرقت سمي تفرق الاتصال.
سادساً: التداوي وطلب
العلاج
إن الطبيب في الإسلام هو من يقوم
بالتفريق بين ما يضر الإنسان وما ينفعه من حيث الوضع والشكل، فهو يحاول دفع العلة
وإزالة مسبباتها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بالتداوي وقد أمر بذلك أصحابه
وأهل بيته، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الرسول لم يكن يتداوى بالمركبات الكيميائية
بل إنه كان يتداوى بالغذاء قدر المستطاع فما كان يلجأ للمركبات الدوائية إلا في
حال فشلت الأغذية والحمية عن دفع المرض والبلاء، فإن لم يجد الدواء في البدن ما
يحلله أوجد فيه داء لا يوافقه، كما أن استعمال الادوية محفوف بالخطورة لأثارها
الجانبية.
سابعا: مكانة المريض
في الإسلام
- يُكتب له أجر العمل الصالح الذي
كان يعمله إذا مرض أو سافر
- الملائكة تدعو له
- دعاؤه مستجاب
- إذا مات مريضًا فهو في منزلة
الشهداء إذا كان صابرًا
خاتمة
ينظر الإسلام إلى المرض نظرة إيجابية متوازنة: فهو ابتلاء يطهّر، ورحمة
تذكّر، وتحذير يعالج القلب.
وتنوع الأمراض في
الإسلام بين جسدي ونفسي وقلبي يدل على شمولية هذا الدين، واهتمامه الكامل بالإنسان
في جسده وروحه وقلبه.