هناءة بن مالك الأزدي: شاعر القيادة والحكمة في الجاهلية العُمانية
🔍 المقدمة: هناءة بن مالك... صوتٌ شعري من الجذور العُمانية
في فجر الجاهلية، حين كانت القبائل تُعيد تشكيل هويتها بين الرمل والجبل، يبرز اسم هناءة بن مالك الأزدي بوصفه شاعرًا وملكًا من أرض عُمان القديمة، لا يُنشد للمجد وحده، بل يُجسّد الحكمة بوصفها رؤية، والقيادة بوصفها موقفًا. ينتمي إلى قبيلة الأزد، وتحديدًا إلى فرع دوس من بني زهران، وهو ابن مالك بن فهم، أحد ملوك العرب في عُمان، مما يُضفي على شخصيته بُعدًا تأسيسيًا في التاريخ العربي الجنوبي.
هناءة لم يكن شاعرًا قبليًا تقليديًا يُفاخر بالنسب فقط، بل كان صوتًا شعريًا يُعيد تعريف القيادة بوصفها توازنًا بين القوة والرأفة، ويُعبّر عن الحكم بلغةٍ فصيحة تُضيء المعنى دون أن تُصرخ به. وقد وصفه الرواة بأنه "أكمل أولاد مالك رأيًا ومروءة"، مما يُشير إلى أن شعره لم يكن مجرد زخرفة لفظية، بل مرآةً أخلاقية تُجسّد فلسفة الحكم في الجاهلية العُمانية.
فهل كان هناءة بن مالك شاعرًا قبليًا يُكرّر أنغام الفخر؟ أم أنه كان صوتًا تأسيسيًا يُجسّد الحكمة والقيادة في لحظةٍ عربيةٍ نادرة، سبقت التدوين ولامست جذور الهوية العُمانية؟
هذا المقال يحاول أن يُنقّب في شخصية هناءة، لا بوصفه شاعرًا مقلًّا، بل بوصفه شاهدًا لغويًا على زمن التأسيس، وصوتًا شعريًا يُضيء الجذور العُمانية في الهوية العربية.
🧬 النسب والسيرة الذاتية: هناءة بن مالك... وريث الملك والشعر في أرض الأزد
ينتمي هناءة بن مالك بن فهم الأزدي إلى قبيلة الأزد، وتحديدًا إلى فرع دوس من بني زهران، وهي من القبائل العريقة التي استوطنت جنوب الجزيرة العربية، وامتد نفوذها إلى عُمان القديمة. والده مالك بن فهم كان من ملوك العرب في عُمان، وقد قاد قومه في هجرتهم من اليمن بعد انهيار سد مأرب، واستقر بهم في أرض الجبل والساحل، حيث أسّس حكمًا عربيًا مبكرًا يُجسّد السيادة والهوية.
بعد وفاة مالك، تولّى هناءة بن مالك الملك، وكان من أبرز أبنائه، وقد وصفه الرواة بأنه "أكمل أولاده رأيًا ومروءة"، مما يُشير إلى أنه لم يكن مجرد وريث سياسي، بل شخصية قيادية تُجسّد الحكمة والاعتدال. وقد نُسب إليه شعرٌ يُعبّر عن الفخر القبلي، والحنين إلى الوطن، والرؤية الأخلاقية للحكم، مما يجعله من أوائل من استخدموا الشعر بوصفه مرآةً للقيادة لا فقط وسيلةً للمدح.
هناءة عاش في زمنٍ تأسيسي، حيث كانت القبائل تُعيد تشكيل هويتها بعد الهجرة، وكان الشعر يُستخدم لتثبيت القيم، وتوثيق المواقف، وتوجيه الجماعة. وهكذا، يُجسّد هناءة بن مالك نموذجًا شعريًا فريدًا في الجاهلية المبكرة: شاعرٌ ملكيٌ يُعيد تعريف القيادة بوصفها حكمةً لغوية، ويُحوّل القصيدة إلى مرآةٍ أخلاقية تُضيء الجذور العُمانية في الهوية العربية.
✍️ ملامح شعره: بين الفخر والحنين والحكمة الملكية
شعر هناءة بن مالك لا يُغني للمجد الصاخب، بل يُجسّد الفخر المتزن، ويُعبّر عن الحنين إلى الوطن، ويُضيء الحكمة بوصفها رؤية قيادية. فهو لا يُفاخر بالنسب فقط، بل يُعيد تشكيله بوصفه مسؤولية، ويُعبّر عن الملك لا بوصفه سلطة، بل بوصفه موقفًا أخلاقيًا يُوازن بين القوة والرأفة.
في أبياته المنسوبة إليه، نلمح نغمةً فصيحة تُجسّد:
-
الاعتزاز بالهوية الأزديّة دون تعصب
-
الحنين إلى أرض عُمان بوصفها موطنًا لا مجرد مكان
-
الحكمة الملكية التي تُوجّه الجماعة وتُؤطّر القرار
كما يُظهر شعره وعيًا لغويًا مبكرًا، حيث يُستخدم الشعر بوصفه أداةً للتوجيه السياسي والاجتماعي، لا فقط وسيلةً للزينة أو الفخر. وهذا يُجعل من هناءة بن مالك أحد الشعراء المؤسسين في الجاهلية العُمانية، الذين سبقوا عصر المعلقات، وكتبوا الشعر بوصفه مرآةً للحكم، لا مجرد صدى للقبيلة.
وهكذا، يُجسّد هناءة بن مالك نموذجًا شعريًا فريدًا: شاعرٌ ملكيٌ يُعيد تعريف القيادة بوصفها حكمة لغوية، ويُحوّل القصيدة إلى وثيقة أخلاقية تُضيء الجذور العُمانية في الهوية العربية.
🪞 التأطير الرمزي والفلسفي: هناءة... شاعر القيادة بوصفها حكمة لغوية
في شعر هناءة بن مالك، لا نقرأ مجرد فخر قبلي، بل نواجه وعيًا شعريًا يُعيد تعريف القيادة بوصفها مسؤولية أخلاقية، لا مجرد سلطة وراثية. فهو لا يُفاخر بالنسب، بل يُؤطّره بوصفه عبئًا نبيلًا، ولا يُنشد للمجد، بل يُضيء الحكمة بوصفها جوهر الحكم، لا زينته.
هناءة يُجسّد نموذجًا شعريًا تأسيسيًا، حيث تتحوّل القصيدة من وسيلةٍ للزينة إلى أداةٍ للتوجيه السياسي والاجتماعي، ويُصبح الشعر مرآةً للحكم، لا صدى للقبيلة. في أبياته، نلمح شاعرًا يُوازن بين القوة والرأفة، بين الحزم واللين، ويُعيد تشكيل وظيفة الشعر بوصفه لغةً قيادية تُنظّم الجماعة وتُؤطّر القرار.
إنه شاعرٌ يُجسّد القيادة في اللغة، والحكمة في الإيقاع، والهوية العُمانية في الفكرة. وهكذا، يُصبح هناءة بن مالك صوتًا رمزيًا يُضيء الجذور العُمانية في الهوية العربية، ويُعيد الاعتبار للشعر بوصفه فلسفةً للحكم، لا فقط زخرفةً للمدح.
📚 الإرث الثقافي والغياب: شاعرٌ في ذاكرة الأزد... غائبٌ عن سرديات التأسيس
رغم أن هناءة بن مالك الأزدي يُعد من أوائل الشعراء الذين جمعوا بين الحكم والشعر في الجاهلية المبكرة، إلا أن حضوره ظل هامشيًا في الوعي الثقافي العربي، مقارنةً بشعراء المعلقات أو الفخر الحربي. لم يُجمع له ديوان مستقل، ولم تُستثمر شخصيته في المناهج أو الأعمال الفنية، وكأن نغمة الحكمة التي ميّزته لم تكن صاخبة بما يكفي لتلفت انتباه الرواة والمصنفين.
هذا الغياب لا يعود إلى ضعف في شعره، بل إلى:
-
هيمنة السرديات المركزية في الحجاز ونجد على المشهد الشعري
-
قلة النصوص المنقولة عنه رغم مكانته السياسية
-
عدم إدراج شعر القيادة والحكمة ضمن المدوّنات التعليمية أو الشعبية
لكن هناءة يُجسّد نموذجًا شعريًا يستحق الاستعادة، خاصة في زمنٍ يُعيد فيه العرب التفكير في معنى القيادة، والهوية، والحكمة، في ضوء تراثٍ شعريٍ أصيل. إن إدراجه في المحتوى الثقافي المعاصر لا يُنصفه فقط، بل يُثري الوعي العربي بشخصية شاعرٍ ملكيٍ تأسيسيٍ سبق عصر المعلقات، وكتب الشعر بوصفه فلسفةً للحكم، لا زخرفةً للمدح.
📚 الخاتمة: هناءة بن مالك... شاعر الحكمة في زمن التأسيس العربي
في هذا المقال، تتبعنا سيرة هناءة بن مالك الأزدي من نسبه الملكي إلى دوره في قيادة الأزد في عُمان، ومن نغمة فخره المتزن إلى حكمته الشعرية، مرورًا بتأطيره الرمزي بوصفه شاعرًا يُجسّد القيادة بوصفها مسؤولية لغوية وأخلاقية. حللنا شعره بوصفه تعبيرًا عن الرؤية الملكية في الجاهلية العُمانية، وتأملنا رمزيته بوصفه شاعرًا يُعيد تعريف وظيفة الشعر بوصفه مرآةً للحكم، لا زخرفةً للمدح.
لقد كشف المقال أن هناءة ليس مجرد شاعر قبلي، بل صوتٌ تأسيسيٌ سبق عصر المعلقات، يُجسّد لحظةً نادرة من التوازن بين الفخر والرأفة، بين السلطة والحكمة، ويُعيد تشكيل العلاقة بين الشعر والقيادة في الجاهلية المبكرة.
غيابه عن السرديات الشعبية لا يُقلّل من أثره، بل يُحفّز على إدراجه في المحتوى الثقافي المعاصر، خاصة في سياقات تُعيد فيها النخبة العربية التفكير في معنى الحكم، والهوية، والحكمة، في ضوء تراثٍ شعريٍ أصيل.
إن استعادة هناءة بن مالك ليست فقط إنصافًا لشاعرٍ منسي، بل إحياء لوعي شعري عربي يُجسّد القيادة الأخلاقية في زمن التأسيس، ويُعيد الاعتبار للكلمة التي تُوجّه، لا تُزيّن.