--> -->

نهشل بن حري الدارمي: شاعر المخضرمين وصوت المراثي البطولية

author image

رسم واقعي لشاعر عربي مخضرم من بني دارم في العصر الجاهلي، يجلس في صحراء المعركة عند الغروب، يرتدي عمامة بيضاء ورداء تقليديًا، ممسكًا برقعة شعرية ورمح، وخلفه فارس مقتول وحصان ينهض، يُجسّد شخصية نهشل بن حري شاعر المراثي والبطولة الحزينة.

🔍 المقدمة: نهشل بن حَرِّيّ... شاعرٌ من مفترق الأزمنة

في مفترق الطرق بين الجاهلية والإسلام، حيث كانت القبيلة تُعيد تعريف ولائها، والدولة تُعيد تشكيل هويتها، يبرز اسم نهشل بن حَرِّيّ الدارمي بوصفه شاعرًا مخضرمًا، لا يُغني للقبيلة وحدها، بل يُرثي الفقد، ويُعاتب الخذلان، ويُجسّد البطولة بلغة حزينة لا صاخبة. ينتمي إلى بني دارم من تميم، إحدى القبائل التي جمعت بين الفصاحة والسيادة، وكان نهشل من بيتٍ شعريٍ شريف، كما وصفه ابن سلام الجمحي، مما يُشير إلى أن شعره لم يكن مجرد تعبير فردي، بل صوتًا قبليًا يُحاور التحوّل السياسي في الإسلام.

نهشل لا يُفاخر، بل يُرثي؛ لا يُهاجم، بل يُعاتب؛ لا يُنشد المجد، بل يُجسّد الفقد. في مراثيه لأخيه مالك الذي قُتل في صفّين، نلمح شاعرًا يُعيد تعريف البطولة بوصفها خسارةً نبيلة، لا انتصارًا أجوف، ويُحوّل القصيدة إلى مرآةٍ حزينة تُضيء لحظة التحوّل من القبيلة إلى الدولة، ومن الفخر إلى التأمل.

فهل كان نهشل بن حَرِّيّ شاعرًا للبطولة الفردية في زمن الانقسام؟ أم أنه كان صوتًا شعريًا يُجسّد التحوّل السياسي في الإسلام، ويُعيد تعريف وظيفة الشعر في زمن التصدّع؟

هذا المقال يحاول أن يُنقّب في شخصية نهشل، لا بوصفه شاعرًا مقلًّا، بل بوصفه شاهدًا لغويًا على لحظةٍ تاريخيةٍ تُعيد تشكيل الوعي العربي.

🧬 النسب والسيرة الذاتية: نهشل بن حَرِّيّ... شاعر بني دارم في زمن الانقسام

ينتمي نهشل بن حَرِّيّ بن ضَمرة الدارمي التميمي إلى قبيلة بني دارم، إحدى بطون تميم ذات الحضور الشعري والسياسي في الجاهلية والإسلام. اسمه الكامل يُشير إلى نسبٍ عريق في بني دارم، الذين عُرفوا بالفصاحة والقيادة، وكانوا من أوائل من شاركوا في التحولات الكبرى بعد الإسلام، سواء في الفتوحات أو في الصراعات الداخلية.

وصفه ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء بأنه "شاعر شريف مشهور"، مما يدل على مكانته في قومه، وعلى أن شعره لم يكن مجرد تعبير فردي، بل صوتًا قبليًا يُعبّر عن موقفٍ سياسي واجتماعي في زمنٍ مضطرب. وقد شارك نهشل في صفّين إلى جانب الإمام علي، وقُتل أخوه مالك بن حَرِّيّ في المعركة، فكتب فيه مراثي حزينة تُجسّد البطولة والفقد، وتُعبّر عن التحوّل من الفخر إلى التأمل، ومن الانتصار إلى الحزن النبيل.

نهشل عاش في زمنٍ تتقاطع فيه الهويات:

  • بين الجاهلية والإسلام

  • بين القبيلة والدولة

  • بين الفخر والمرثية

  • بين الشعر بوصفه زينة، والشعر بوصفه شهادة

وهكذا، يُجسّد نهشل بن حَرِّيّ نموذجًا شعريًا فريدًا: شاعرٌ من بني دارم، يُعيد تعريف البطولة بوصفها فقدًا نبيلًا لا انتصارًا أجوف، ويُحوّل القصيدة إلى مرآةٍ حزينة تُضيء لحظة التحوّل السياسي في الإسلام.

✍️ ملامح شعره: البطولة الحزينة والعتاب السياسي في زمن الانقسام

شعر نهشل بن حَرِّيّ لا يُغني للمجد المجرد، بل يُجسّد البطولة بوصفها فقدًا نبيلًا، ويُحوّل القصيدة إلى مرآةٍ حزينة تُضيء لحظة الانكسار، لا لحظة الانتصار. في مراثيه لأخيه مالك بن حَرِّيّ الذي قُتل في صفّين، نلمح شاعرًا يُعيد تعريف البطولة بوصفها خسارةً مشرفة، ويُعبّر عن الحزن بلغةٍ فصيحة، لا نحيبًا، كما في قوله:

فإنْ تَكُ قدْ جازَتْكَ رِماحُهمُ فَما نَقصُوا عنكَ شيئًا منَ الكَرَمِ

هذا البيت يُجسّد نغمةً شعريةً نادرة، حيث يُحوّل الموت إلى موقفٍ أخلاقيٍ سامٍ، لا مجرد نهاية جسدية، ويُعبّر عن الفخر بالشهيد دون أن يُنكر الحزن عليه.

كما يُظهر شعره نغمة العتاب السياسي والاجتماعي، حيث يُعاتب قومه على التخاذل، ويُعبّر عن خيبة الأمل في زمنٍ كانت فيه الولاءات تُعاد تشكيلها، مما يجعله من أوائل من استخدموا الشعر بوصفه أداةً للتأمل السياسي، لا فقط للمدح أو الهجاء.

نهشل يُجيد:

  • المرثية بوصفها شهادة تاريخية

  • العتاب بوصفه موقفًا أخلاقيًا

  • التصوير الرمزي للبطولة الحزينة

وهكذا، يُجسّد نهشل بن حَرِّيّ نموذجًا شعريًا فريدًا في زمن المخضرمين: شاعرٌ يُعبّر عن البطولة في الفقد، وعن الكرامة في الانكسار، وعن السياسة في العتاب، ويُعيد تعريف وظيفة الشعر بوصفه صوتًا أخلاقيًا في زمن التحوّل.

🪞 التأطير الرمزي والفلسفي: نهشل... شاعر الفقد النبيل في زمن التحوّل

في شعر نهشل بن حَرِّيّ، لا نقرأ مجرد مراثي، بل نواجه وعيًا شعريًا يُعيد تعريف البطولة، لا بوصفها انتصارًا، بل بوصفها خسارةً مشرفة تُخلّد الموقف. فهو لا يُنشد المجد، بل يُرثي من سقط في سبيله؛ لا يُفاخر بالقبيلة، بل يُعاتبها حين تتخاذل؛ لا يُغني للانتصار، بل يُضيء لحظة الانكسار بلغةٍ فصيحة تُجسّد النبل أكثر من القوة.

نهشل يُجسّد نموذجًا شعريًا نادرًا في زمن المخضرمين، حيث تتحوّل القصيدة من وسيلةٍ للزينة إلى أداةٍ للتأمل السياسي والأخلاقي. في مراثيه، نلمح شاعرًا يُراقب التحوّل من الجاهلية إلى الإسلام، من الفخر إلى الحزن، من القبيلة إلى الدولة، ويُعيد تشكيل وظيفة الشعر بوصفه شهادةً على الزمن، لا مجرد صدى له.

إنه شاعرٌ يُجسّد البطولة في الفقد، والكرامة في الانكسار، والعتاب في زمن الانقسام. وهكذا، يُصبح نهشل بن حَرِّيّ صوتًا رمزيًا يُضيء مفترق الأزمنة، ويُعيد الاعتبار للشعر بوصفه مرآةً أخلاقية تُسجّل التحوّل، لا تُزيّنه.

📚 الإرث الثقافي والغياب: شاعرٌ في طبقات الفحول... غائبٌ عن سرديات التحوّل

رغم أن نهشل بن حَرِّيّ ورد ذكره في مصادر أدبية مرموقة مثل طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي، ووردت مراثيه في كتب الأدب الإسلامي المبكر، إلا أن حضوره ظل هامشيًا في الوعي الثقافي العربي، مقارنةً بشعراء أكثر شهرة أو صخبًا. لم يُجمع له ديوان مستقل، ولم تُستثمر شخصيته في الأعمال الفنية أو المناهج، وكأن نغمة الحزن النبيل التي ميّزته لم تكن صاخبة بما يكفي لتلفت انتباه الرواة والمصنفين.

هذا الغياب لا يعود إلى ضعف في شعره، بل إلى:

  • هيمنة السرديات البطولية الصاخبة على المشهد الشعري

  • قلة الرواة الذين حفظوا شعره كاملاً

  • عدم إدراج شعر المراثي السياسية ضمن المدوّنات التعليمية أو الشعبية

لكن نهشل يُجسّد نموذجًا شعريًا يستحق الاستعادة، خاصة في زمنٍ يُعيد فيه العرب التفكير في معنى البطولة، والكرامة، والتحوّل السياسي، في ضوء تراثٍ شعريٍ أصيل. إن إدراجه في المحتوى الثقافي المعاصر لا يُنصفه فقط، بل يُثري الوعي العربي بشخصية شاعرٍ مخضرمٍ عميقٍ سبق عصره، وكتب الشعر بوصفه شهادةً أخلاقية على زمن الانقسام.

📚 الخاتمة: نهشل بن حَرِّيّ... شاعر الفقد النبيل في زمن التحوّل

في هذا المقال، تتبعنا سيرة نهشل بن حَرِّيّ الدارمي من نسبه التميمي إلى مشاركته في صفّين، ومن مراثيه الحزينة إلى عتابه السياسي، مرورًا بتأطيره الرمزي بوصفه شاعرًا يُجسّد البطولة في الفقد، لا في الانتصار. حللنا شعره بوصفه تعبيرًا عن الكرامة الأخلاقية في زمن الانقسام، وتأملنا رمزيته بوصفه شاعرًا يُعيد تعريف وظيفة الشعر بوصفه شهادةً على التحوّل، لا مجرد زخرفة لفظية.

لقد كشف المقال أن نهشل ليس مجرد شاعر مقلّ، بل صوتٌ مخضرمٌ عميقٌ سبق عصره، يُجسّد لحظةً نادرة من التأمل السياسي في الشعر العربي، ويُعيد تشكيل العلاقة بين الفخر والمرثية، بين القبيلة والدولة، بين الشعر والموقف.

غيابه عن السرديات الشعبية لا يُقلّل من أثره، بل يُحفّز على إدراجه في المحتوى الثقافي المعاصر، خاصة في سياقات تُعيد فيها النخبة العربية التفكير في معنى البطولة، والعتاب، والتحوّل، في ضوء تراثٍ شعريٍ أصيل.

إن استعادة نهشل بن حَرِّيّ ليست فقط إنصافًا لشاعرٍ منسي، بل إحياء لوعي شعري عربي يُجسّد البطولة الأخلاقية في زمن التصدّع، ويُعيد الاعتبار للكلمة التي تُرثي لتُضيء، لا لتنوح.