قصيدة صحا قلبه عن سُكره فتأملا | تأملات أوس بن حجر في بناء الذات والوعي الجاهلي
مقدمة:
قصيدة "صحا قلبه عن سُكره فتأملا" ليست مجرد تأمل شعري، بل هي يقظة وجودية تنبثق من قلبٍ كان غارقًا في الغفلة، ثم استعاد وعيه في لحظةٍ فاصلة، ليبدأ رحلةً رمزيةً نحو الذات، والقبيلة، والحرب، والهوية. في هذه القصيدة، يُعيد أوس بن حجر التميمي تعريف الشعر بوصفه أداةً فلسفية تُجسّد التحوّل من الانفعال إلى الفعل، ومن الغزل إلى الفخر، ومن الغفلة إلى البصيرة.
ينتقل الشاعر من ذكرى امرأة إلى بناء رمزيّ لأدوات الحرب:
السيف، والرمح، والقوس، والسهام
-
ثم يصفها وصفًا دقيقًا يُجسّد جمال الصناعة، وقوة الأداء، ووعي الفارس
لكن خلف هذا الوصف، يكمن تحوّل داخلي: فالقلب الذي "صحا من سُكره" لم يصحُ ليغزل فقط، بل ليُعيد ترتيب العالم من حوله، ويُعيد تعريف الرجولة، والقرار، والوعي، في سياقٍ شعريٍّ متماسك.
وهكذا، تُصبح هذه القصيدة وثيقةً جاهلية تُجسّد كيف يُمكن للشعر أن يُعبّر عن يقظة الإنسان حين يُدرك ذاته، ويُعيد بناء أدواته، ويُواجه العالم لا بوصفه خصمًا، بل بوصفه مرآةً للوعي.
القصيدة:
🔢 | البيت الأول | البيت الثاني |
---|---|---|
1 | صَحا قَلبُهُ عَن سُكرِهِ فَتَأَمَّلا | وَكانَ بِذِكرى أُمِّ عَمروٍ مُوَكَّلا |
2 | وَكانَ لَهُ الحَينُ المُتاحُ حَمولَةً | وَكُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِما قَد تَحَمَّلا |
3 | أَلا أَعتِبُ اِبنَ العَمِّ إِن كانَ ظالِماً | وَأَغفِرُ عَنهُ الجَهلَ إِن كانَ أَجهَلا |
4 | وَإِن قالَ لي ماذا تَرى يَستَشيرُني | يَجِدني اِبنَ عَمٍّ مِخلَطَ الأَمرِ مِزيَلا |
5 | أُقيمُ بِدارِ الحَزمِ ما دامَ حَزمُها | وَأَحرِ إِذا حالَت بِأَن أَتَحَوَّلا |
6 | وَأَستَبدِلُ الأَمرَ القَوِيَّ بِغَيرِهِ | إِذا عَقدُ مَأفونِ الرِجالِ تَحَلَّلا |
7 | وَإِنّي اِمرُؤٌ أَعدَدتُ لِلحَربِ بَعدَما | رَأَيتُ لَها ناباً مِنَ الشَرِّ أَعصَلا |
8 | أَصَمَّ رُدَينِيّاً كَأَنَّ كُعوبَهُ | نَوى القَسبِ عَرّاصاً مُزَجّاً مُنَصَّلا |
9 | عَلَيهِ كَمِصباحِ العَزيزِ يَشُبَّهُ | لِفِصحٍ وَيَحشوهُ الذُبالَ المُفَتَّلا |
10 | وَأَملَسَ صولِيّاً كَنَهيِ قَرارَةٍ | أَحَسَّ بِقاعٍ نَفحَ ريحٍ فَأَجفَلا |
11 | كَأَنَّ قُرونَ الشَمسِ عِندَ اِرتِفاعِها | وَقَد صادَفَت طَلقاً مِنَ النَجمِ أَعزَلا |
12 | تَرَدَّدَ فيهِ ضَوءُها وَشُعاعُها | فَأَحسِن وَأَزيِن بِاِمرِئٍ أَن تَسَربَلا |
13 | وَأَبيَضَ هِندِياً كَأَنَّ غِرارَهُ | تَلَألُؤُ بَرقٍ في حَبِيٍّ تَكَلَّلا |
14 | إِذا سُلَّ مِن جَفنٍ تَأَكَّلَ أَثرُهُ | عَلى مِثلِ مِصحاةِ اللُجَينِ تَأَكُّلا |
15 | كَأَنَّ مَدَبَّ النَملِ يَتَّبِعُ الرُبى | وَمَدرَجَ ذَرٍّ خافَ بَرداً فَأَسهَلا |
16 | عَلى صَفحَتَيهِ مِن مُتونِ جِلائِهِ | كَفى بِالَّذي أُبلي وَأَنعَتُ مُنصُلا |
17 | وَمَبضوعَةً مِن رَأسِ فَرعٍ شَظِيَّةٍ | بِطَودٍ تَراهُ بِالسَحابِ مُجَلَّلا |
18 | عَلى ظَهرِ صَفوانٍ كَأَنَّ مُتونَهُ | عُلِلنَ بِدُهنٍ يُزلِقُ المُتَنَزِّلا |
19 | يُطيفُ بِها راعٍ يُجَشِّمُ نَفسَهُ | لِيُكلِئَ فيها طَرفَهُ مُتَأَمِّلا |
20 | فَلاقى اِمرَأً مِن مَيدَعانَ وَأَسمَحَت | قَرونَتُهُ بِاليَأسِ مِنها فَعَجَّلا |
21 | فقالَ لَهُ هَل تَذكُرَنَّ مُخَبِّراً | يَدُلُّ عَلى غُنمٍ وَيُقصِرُ مُعمِلا |
22 | عَلى خَيرِ ما أَبصَرتَها مِن بِضاعَةٍ | لِمُلتَمِسٍ بَيعاً بِها أَو تَبَكُّلا |
23 | فُوَيقَ جُبَيلٍ شامِخِ الرَأسِ لَم تَكُن | لِتَبلُغَهُ حَتّى تَكِلَّ وَتَعمَلا |
24 | فَأَبصَرَ أَلهاباً مِنَ الطَودِ دونَها | تَرى بَينَ رَأسَي كُلِّ نيقَينِ مَهبِلا |
25 | فَأَشرَطَ فيها نَفسَهُ وَهوَ مُعصِمٌ | وَأَلقى بِأَسبابٍ لَهُ وَتَوَكَّلا |
26 | وَقَد أَكَلَت أَظفارَهُ الصَخرُ كُلَّما | تَعايا عَلَيهِ طولُ مَرقى تَوَصَّلا |
27 | فَما زالَ حَتّى نالَها وَهوَ مُعصِمٌ | عَلى مَوطِنٍ لَو زَلَّ عَنهُ تَفَصَّلا |
28 | فَأَقبَلَ لا يَرجو الَّتي صَعَدَت بِهِ | وَلا نَفسَهُ إِلّا رَجاءً مُؤَمَّلا |
29 | فَلَمّا نَجا مِن ذَلِكَ الكَربِ لَم يَزَل | يُمَظِّعُها ماءَ اللِحاءِ لِتَذبُلا |
30 | فَأَنحى عَلَيها ذاتَ حَدٍّ دَعا لَها | رَفيقاً بِأَخذٍ بِالمَداوِسِ صَيقَلا |
31 | عَلى فَخِذَيهِ مِن بُرايَةِ عودِها | شَبيهُ سَفى البُهمى إِذا ما تَفَتَّلا |
32 | فَجَرَّدَها صَفراءَ لا الطولُ عابَها | وَلا قِصَرٌ أَزرى بِها فَتَعَطَّلا |
33 | كَتومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دونَ مَلَئِها | وَلا عَجسُها عَن مَوضِعِ الكَفِّ أَفضَلا |
34 | إِذا ما تَعاطَوها سَمِعتَ لِصَوتِها | إِذا أَنبَضوا عَنها نَئيماً وَأَزمَلا |
35 | وَإِن شَدَّ فيها النَزعُ أَدبَرَ سَهمُها | إِلى مُنتَهىً مِن عَجسِها ثُمَّ أَقبَلا |
36 | فَلَمّا قَضى مِمّا يُريدُ قَضاءَهُ | وَصَلَّبَها حِرصاً عَلَيها فَأَطوَلا |
37 | وَحَشوَ جَفيرٍ مِن فُروعٍ غَرائِبٍ | تَنَطَّعَ فيها صانِعٌ وَتَنَبَّلا |
38 | تُخُيِّرنَ أَنضاءً وَرُكِّبنَ مِثلَها | وَأَحسَنَ فيها صانِعٌ وَتَجَمَّلا |
39 | فَأَصبَحَ يَغدو في الجَفيرِ كَأَنَّهُ | إِذا ما اِنتَضى مِنها سَريعٌ مُعَجَّلا |
40 | فَأَنبَضَها في القَومِ حَتّى تَفَتَّقَت | وَأَقبَلَ مِنها السَهمُ يَجري مُعَدَّلا |
41 | فَأَنبَضَها في القَومِ حَتّى تَفَتَّقَت | وَأَقبَلَ مِنها السَهمُ يَجري مُعَدَّلا |
42 | فَأَصبَحَ يَغدو في الجَفيرِ كَأَنَّهُ | إِذا ما اِنتَضى مِنها سَريعٌ مُعَجَّلا |
43 | فَأَحسَنَ فيها صانِعٌ وَتَجَمَّلا | تُخُيِّرنَ أَنضاءً وَرُكِّبنَ مِثلَها |
44 | وَحَشوَ جَفيرٍ مِن فُروعٍ غَرائِبٍ | تَنَطَّعَ فيها صانِعٌ وَتَنَبَّلا |
45 | فَلَمّا قَضى مِمّا يُريدُ قَضاءَهُ | وَصَلَّبَها حِرصاً عَلَيها فَأَطوَلا |
46 | وَإِن شَدَّ فيها النَزعُ أَدبَرَ سَهمُها | إِلى مُنتَهىً مِن عَجسِها ثُمَّ أَقبَلا |
47 | إِذا ما تَعاطَوها سَمِعتَ لِصَوتِها | إِذا أَنبَضوا عَنها نَئيماً وَأَزمَلا |
48 | كَتومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دونَ مَلَئِها | وَلا عَجسُها عَن مَوضِعِ الكَفِّ أَفضَلا |
49 | فَجَرَّدَها صَفراءَ لا الطولُ عابَها | وَلا قِصَرٌ أَزرى بِها فَتَعَطَّلا |
50 | عَلى فَخِذَيهِ مِن بُرايَةِ عودِها | شَبيهُ سَفى البُهمى إِذا ما تَفَتَّلا |
51 | فَأَنحى عَلَيها ذاتَ حَدٍّ دَعا لَها | رَفيقاً بِأَخذٍ بِالمَداوِسِ صَيقَلا |
52 | فَلَمّا نَجا مِن ذَلِكَ الكَربِ لَم يَزَل | يُمَظِّعُها ماءَ اللِحاءِ لِتَذبُلا |