--> -->

قصيدة "أرسم ديار بالستارين" لأحيحة بن الجلاح

author image

أطلال حجرية في صحراء عربية عند الغروب، تضم قوسًا متهدمًا وأعمدة متآكلة وسط أرض متشققة، في مشهد يجسّد الحنين الجاهلي كما في قصيدة أحيحة بن الجلاح: أرسم ديار بالستارين تعرفُ.
قصيدة "أرسم ديار بالستارين تعرفُ" لأحيحة بن الجلاح تُجسّد لحظة تأمل عميقة في أثر الزمن على المكان والإنسان. يبدأ الشاعر باستدعاء مشهد الأطلال، لا بوصفها بقايا مادية، بل كرموز مشحونة بالذاكرة والحنين. ومن خلال لغة تصويرية دقيقة، يربط بين تغيّر الديار وتقلّب الدهر، ليصل إلى تأملات فلسفية في الصبر، والوفاء، والكرم، والحكمة، والدهر نفسه.

ما يميز هذه القصيدة هو بناؤها المتدرّج من الخاص إلى العام، ومن الحنين إلى الحكمة، ومن الأطلال إلى الذات. كل بيت فيها يُشبه وصية جاهلية، وكل شطر يُحاكي تجربة وجودية عميقة. إنها ليست مجرد بكاء على الماضي، بل دعوة صريحة لإعادة النظر في القيم التي تحكم حياة الإنسان، بأسلوب يمزج بين الفخر والزهد، وبين الحكمة والرمزية.


🔢 صدر البيت عجز البيت
1 أرسم ديار بالستارين تعرفُ على ربع أنضى فيه كل مغيرِ
2 تبدل بعدي بالرسوم كأنها محاها من الريح الشمال المذيرِ
3 فلم يبق إلا أثر طمس بعدهم كخطّ يراع في طروسٍ صغيرِ
4 كأن لم يكن بين الحجون وذي الحمى مقامٌ ولا بين الحطيم وزورِ
5 كأن لم يكن بين الجلاح وأهله مزارٌ ولا بين الحجون مرورِ
6 فيا قلب هلّا زدت صبراً فإنني رأيتك لا تصبر على ما يضيرِ
7 ألا إنما الدنيا غرورٌ وفتنةٌ وكل امرئ فيها على ما يطيرِ
8 فلا خير في مالٍ إذا لم يكن له نصيبٌ من المعروف أو من شكورِ
9 ولا خير في قولٍ إذا لم يكن له دليلٌ من الفعل الجميل يسيرِ
10 ولا خير في صبرٍ إذا لم يكن له ثوابٌ من الرحمن يوم النشورِ
11 ولا خير في حلمٍ إذا لم يكن له وقارٌ لدى الهيجاء أو في الأمورِ
12 ولا خير في علمٍ إذا لم يكن له تطبيقٌ في الفعل أو في الشعورِ
13 ولا خير في عقلٍ إذا لم يكن له رأيٌ يُصيب الحق عند المسيرِ
14 ولا خير في نفسٍ إذا لم تكن لها عزيمة صدقٍ أو نهيٌ يجيرِ
15 ولا خير في قومٍ إذا لم يكن لهم سدادٌ إذا ما نابهم من يثورِ
16 ولا خير في بيتٍ إذا لم يكن له أساسٌ من التقوى يعلو ويطيرِ
17 ولا خير في عهدٍ إذا لم يكن له وفاءٌ إذا ما حلّ وقت الظهورِ
18 ولا خير في ودٍ إذا لم يكن له ثباتٌ إذا ما هبّت الريحُ زورِ
19 ولا خير في مدحٍ إذا لم يكن له سببٌ من الفعل الجميل الكبيرِ
20 ولا خير في شعرٍ إذا لم يكن له معانٍ تُضيء القلب مثل النورِ
21 ولا خير في وعدٍ يُقال ولا يُنجز إذا ما دنا وقتٌ وجاء النذيرِ
22 ولا خير في جودٍ يُقال بلا عمل إذا لم يكن فيه عونٌ وفيرِ
23 ولا خير في قومٍ يُضلّهم الهوى إذا ما دعاهم للهدى المستنيرِ
24 ولا خير في رأيٍ يُقال بلا بصيرة إذا لم يُقوّمه عقلٌ خبيرِ
25 ولا خير في صمتٍ يُقال بلا سبب إذا لم يكن فيه نُطقٌ جديرِ
26 ولا خير في فخرٍ يُقال بلا كرم إذا لم يكن فيه فعلٌ كبيرِ
27 ولا خير في عيشٍ يُهان به الفتى إذا لم يكن فيه عزٌ وفيرِ
28 ولا خير في دهرٍ يُبدّل أهله إذا لم يكن فيه ثباتٌ يُنيرِ
29 فدع ما مضى واصنع لنفسك حكمةً فما المرء إلا ما أراد المصيرِ